فهرس المحتويات

نظرة جديدة لمفهوم الذكاء

في كثير من الأوقات يردني سؤال يقلق الأهل:

“طفلي لا يحب الدراسة… هل يعني ذلك أنه ليس ذكياً؟”

الحقيقة هي أنّ ذكاء الاطفال متعدد الأوجه؛ فالأطفال قد يتألقون في مجالات لا تقيسها درجات المدرسة وحدها. لذلك تقدّم أبحاث البروفيسور هوارد غاردنر (هارفارد) إطار الذكاءات المتعددة لفهم قدرات الطفل عمليًا.

هذا التوجّه ينسجم مع التربية الإيجابية ويستفيد من التعلم باللعب والروتين اليومي للأطفال لبناء الثقة والمهارات الاجتماعية.

لماذا لا يمكن قياس الذكاء بمسطرة واحدة؟

إذا حاولنا قياس ذكاء جميع الأولاد بنفس الطريقة، فسنرتكب خطأً كبيرًا. فهناك من يتفوق في حل المسائل الرياضية بسرعة، وآخر قد يعجز عن ذلك لكنه مبدع في العزف على آلة موسيقية أو تصميم لوحة فنية.

على مدار سنوات طويلة، اعتمدت المدارس على مقاييس ضيقة للذكاء، تركز على القدرة على القراءة، الكتابة، والحساب، مما جعل كثيرًا من البنات والأطفال يشعرون بأنهم أقل ذكاءً لمجرد أنهم لم يبرعوا في هذه الجوانب.

لكن نظرية الذكاءات المتعددة تثبت أن هناك ثمانية أنواع أساسية من الذكاء، وكل طفل يمتلك مزيجًا خاصًا به. البعض يلمع في الرياضة والحركة، البعض الآخر في التواصل الاجتماعي، وهناك من يبرع في التعامل مع الطبيعة أو في التفكير التحليلي.

عندما تفهم الأنماط المختلفة، يمكنك إكتشاف طرق صحية لتربية الأولاد، بحيث لا نكتفي بالكتب والاختبارات، بل ندعمهم من خلال أنشطة عملية، ورحلات ميدانية، وألعاب تفاعلية، وبرامج تحفيز وجوائز تلائم قدراتهم الفردية.

  • الذكاء ليس نوعاً واحداً: الذكاء يتجاوز المهارات الدراسية التقليدية ليشمل قدرات متعددة مثل الفن والموسيقى والرياضة.
  • كل طفل فريد: يمتلك كل طفل مزيجاً خاصاً من الذكاءات، ومهمتنا هي اكتشافها و تنميتها.

  • الاكتشاف يغير التربية: فهم نوع ذكاء طفلك يساعدك على دعمه بطرق فعالة، مما يعزز ثقته بنفسه ويقلل من شعوره بالإحباط.

     

ما هي نظرية الذكاءات المتعددة؟

في عام 1983، تحدى هوارد غاردنر الفكرة التقليدية للذكاء. نظريته تقول إن الذكاء ليس قدرة واحدة عامة، بل هو مجموعة من القدرات المستقلة نسبياً. هذا المفهوم وسّع تعريف “الذكي” ليشمل المهارات الفنية، الاجتماعية، الموسيقية، وحتى التفاعل مع الطبيعة، بدلاً من قصره على القراءة والرياضيات فقط.

قبل عام 1983 كان الذكاء يُقاس غالبًا باختبارات ضيقة تركّز على التحصيل الدراسي والقدرة العامة (IQ). غاردنر لاحظ أن هناك أطفالًا وراشدين يبرعون في مجالات لا تقيسها تلك الاختبارات التقليدية: موسيقيون لامعون ورياضيون استثنائيون وفنانون وقادة اجتماعيون. جمع أدلة من علم النفس العصبي، ودراسات الموهوبين، وحالات إصابة الدماغ، والثقافات المختلفة، ليقول: ليست كل القدرات العقلية نوعًا واحدًا من “الذكاء”.

كل طفل عبقري بطريقته الخاصة

عندما تطبق مفهوم الذكاءات المتعددة في حياتك اليومية، تتحول من التركيز على نقاط الضعف إلى الاستثمار في نقاط القوة. فمن الخطأ أن تجعل جميع الأطفال نسخًا متطابقة، بل عليك أن تمنح كل ولد وبنت الفرصة ليكونوا أفضل نسخة من أنفسهم.

التربية الصحيحة هي أن نمنحهم مساحة للتجربة، وحرية اختيار ما يحبونه، وأن ندمج التعلم بالمتعة، من خلال ألعاب مناسبة، وتحفيز مستمر، وجوائز تقديرية تعزز ثقتهم بأنفسهم.

أنواع الذكاء الثمانية وكيف تكتشفها في طفلك

1) الذكاء اللغوي:

إذا كان طفلكم يحب الكلمات؛ يروي القصص و قادر على المحادثة بطلاقة… فهذه علامات واضحة على امتلاكه ذكاءً لغويًا مميزًا.

الذكاء اللغوي هو قدرة الأطفال على فهم اللغة وإنتاجها واستخدامها للتعبير والإقناع. يشمل تنمية المفردات، ثراء الحصيلة اللغوية، بناء الجمل، السرد وفهم المقروء والاستماع الناقد. يظهر لدى الأولاد والبنات في حب القصص والحوار ولعب الأدوار وسرعة التقاط كلمات جديدة وإعادة سرد الأحداث بوضوح.

كيف يظهر؟

  • طفل يعيد حكاية القصة قبل النوم بطريقته الخاصة.

  • بنت صغيرة تبتكر أغنية من كلمات بسيطة.

  • أولاد يتسابقون في لعبة الألغاز أو تكميل الجمل.

  • طفل يسأل عن معنى كلمة جديدة سمعها في الصف أو في البيت.

  • بنات يركبون مفردات جديدة ضمن جمل مفيدة و يستخدمونها أثناء الكلام.

  • طفل يستطيع اقناع الناس بمفردات تفوق عمره النمائي.

2) الذكاء المنطقي/الرياضي:

الذكاء المنطقي/الرياضي هو قدرة الأطفال على التفكير التحليلي الكمي، واكتشاف الأنماط والعلاقات، وبناء الفرضيات واختبارها لحلّ المشكلات.

إذا كان طفلكم أو طفلتكم ينجذبون إلى الأرقام، يحاولون حلّ الألغاز، يستمتعون بالعدّ، أو يسألون دائمًا عن السبب والنتيجة (منطقي)… فهذه علامات على امتلاكهم ذكاءً منطقيًا رياضيًا مميزً!

كيف يظهر؟

  • طفل يحاول ترتيب ألعابه وفق ألوان أو أحجام محددة.

  • بنت تحب العدّ: عدد الدرجات، النقاط في اللعبة، أو حتى السيارات في الشارع.

  • أولاد يستمتعون بتركيب البازل أو الألعاب الاستراتيجية.

  • طفل يطرح أسئلة تبدأ بـ “لماذا” و”كيف”، ويبحث عن تفسير منطقي لكل شيء.

  • بنات يستطيعون إيجاد حلول لمشكلات بسيطة تواجههم أثناء يومهم.

  • أطفال يستطيعون تحليل الأسباب و النتائج للمشكلات التي تواجههم.

3)الذكاء الحركي /الجسدي:

الذكاء الجسدي/الحركي هو قدرة الأطفال على الحركة والتعبير عن أنفسهم و العالم من حولهم باستخدام الجسد؛ يشمل المهارات الحركية الكبرى والدقيقة، التناسق البصري الحركي، والتذكّر بالحركة.

إذا كان طفلكم أو طفلتكم لا يهدأ، يحب الجري والقفز، يتعلم من خلال الحركة واللمس، أو يفضّل التجربة العملية بدل الشرح… فهذه مؤشرات على امتلاكه ذكاءً حركيًا جسديًا قويًا!

يظهر لدى الأولاد والبنات في تفضيل التعلّم باللعب والتجريب اليدوي على الشرح النظري حبّ الألعاب الحركية والرياضة، المسرح ولعب الأدوار، العمل بالأدوات وتفضيل التعلّم باللعب والتجريب اليدوي على الشرح النظري.

كيف يظهر؟

  • طفل يعبّر عن نفسه أكثر من خلال الحركة والتمثيل.

  • بنت صغيرة تتقن الرقص أو تحب تسلق الألعاب في الحديقة.

  • أولاد يفضّلون الرياضة، أو يتعلّمون بسرعة عندما يلمسون الأدوات بأيديهم.

  • طفل يقلّد الحركات الجسدية بدقة، سواء في الرياضة أو أثناء اللعب.

  • بنات أو أولاد يسهل عليهم تحويل الأوامر الدماغية الى حركات جسدية (التوافق العصبي العضلي).
  • طفل يستطيع التحكم بالعضلات الدقيقة و تدريبها بشكل سريع (عضلات اليدين أو القدمين).

4) الذكاء البصري /المكاني:

الذكاء البصري/المكاني هو القدرة على التفكير بالصور، إدراك الأشكال والألوان، وتخيّل العلاقات المكانية بين الأشياء.

إذا كان طفلكم أو طفلتكم ينجذب إلى الألوان والرسومات، يستمتع بالصور والخرائط، أو يتخيل الأشياء بوضوح قبل صنعها… فهذه دلائل على امتلاكه ذكاءً بصريًا مكانيًا مميزًا!

كيف يظهر؟

  • بنت صغيرة تحب تركيب المكعبات وبناء الأشكال المختلفة.

  • طفل يقضي وقتًا طويلًا في الرسم أو التلوين.

  • طفل يتذكر الأماكن بسهولة و يحفظ الطرقات بسرعة.

  • أولاد يبدعون في ألعاب المتاهة أو تتبع الخرائط المصغّرة.

  • بنات يستمتعون و يبدعون في الفنون البصرية.

  • أطفال لديهم القدرة على تمييز الصور و التفاصيل.

5) الذكاء الموسيقي:

الذكاء الموسيقي هو القدرة على إدراك الأصوات والنغمات والإيقاعات، والتفاعل معها بإحساس عالٍ.

يظهر هذا الذكاء في حب الموسيقا والغناء، أو في سهولة تمييز الألحان وتكرارها، بل وحتى في القدرة على ابتكار ألحان جديدة.

كيف يظهر؟

  • طفل يدندن الألحان أو يقرع بإيقاع على الطاولة.

  • أولاد يميّزون بين أصوات الآلات المختلفة.

  • بنت صغيرة تحفظ الأغاني بسرعة وتعيدها بدقة.

  • طفل يخترع ألحانًا خاصة به أو يغير كلمات الأغاني ليبتكر أغنية جديدة.

  • طفل يميل الى الألعاب الصوتية.

  • بنات لديهم قدرة عالية على تمييز الأصوات عن بعضها.

6)الذكاء الاجتماعي /التفاعلي:

هو القدرة على فهم الآخرين والتواصل معهم بفاعلية، من خلال ملاحظة تعابيرهم، مشاعرهم، وتصرفاتهم. يمتاز الأطفال الذين يملكون هذا الذكاء بقدرتهم على تكوين صداقات بسهولة، وحلّ النزاعات، والعمل بروح الفريق.

إذا كان طفلكم أو طفلتكم يحب اللعب مع الآخرين أكثر من اللعب بمفرده، أو يحرص على مساعدة زملائه ومواساتهم… فهذه دلائل على امتلاكه ذكاءً اجتماعيًا قويًا!

كيف يظهر؟

  • طفل يسهل عليه تكوين صداقات جديدة في أي مكان.

  • بنت صغيرة تلاحظ مشاعر أصدقائها وتسأل: “هل أنت بخير؟”.

  • أولاد يستمتعون بالألعاب الجماعية أكثر من الفردية.

  • طفل يحاول تهدئة الخلاف بين زميلين أو يقترح حلولًا عادلة.

  • بنات يحلون مشكلاتهم عن طريق الحوار الذي يناسب الشخص الآخر.

  • طفل لديه قدرة عالية على قيادة مجموعة من أقرانه.

7) الذكاء الذاتي /الداخلي:

هو القدرة على فهم الذات بعمق؛ أي معرفة المشاعر والدوافع والأهداف الشخصية، والتأمل فيها. يتميّز الأطفال الذين يملكون هذا الذكاء بقدرتهم على التعبير عن أنفسهم، واتخاذ قرارات مستقلة، والجلوس بمفردهم للتفكير أو اللعب بهدوء.

إذا كان طفلكم أو طفلتكم يفضّل أحيانًا الجلوس وحيدًا ليرسم أو يكتب، أو يطرح أسئلة وجودية مثل: “من أنا؟” أو “ماذا أريد أن أصبح؟”فهذه علامات على امتلاكه ذكاءً ذاتيًا قويًا!

كيف يظهر؟

  • طفل يستمتع باللعب بمفرده من حين لآخر دون أن يشعر بالملل.

  • أطفال يستطيعون تمييز ما يناسبهم عن ما لا يناسبهم.

  • أولاد يضعون أهدافًا صغيرة لأنفسهم ويحاولون تحقيقها.

  • طفل يظهر وعيًا بمزاجه فيقول مثلًا: “أنا اليوم حزين” أو “أنا سعيد الآن”.

  • بنات يستطيعون تمييز ما يناسبهم عن ما لا يناسبهم.
  • طفل قادر على سماع أفكاره و تحويلها لأهداف.

8) الذكاء الطبيعي /البيئي:

هو القدرة على ملاحظة العالم الطبيعي والتفاعل معه؛ مثل الاهتمام بالنباتات، الحيوانات، والظواهر البيئية. الأطفال الذين يتمتعون بهذا الذكاء لديهم فضول تجاه الطبيعة، ويميلون إلى استكشافها والتعلم من تفاصيلها.

إذا كان طفلكم أو طفلتكم ينجذب إلى مراقبة الحيوانات، أو يجمع الحجارة والأوراق أثناء اللعب في الخارج، أو يسأل عن تغيرات الطقس والفصول… فهذه علامات على امتلاكه ذكاءً طبيعيًا بيئيًا!

كيف يظهر؟

  • طفل يستمتع بالرحلات في الحدائق أو الجبال أكثر من الأماكن المغلقة.

  • أولاد يلاحظون تفاصيل صغيرة في الطبيعة مثل شكل الغيوم أو أصوات العصافير.

  • طفل يطرح أسئلة عن الكواكب والنجوم أو يتابع برامج عن الحيوانات.

  • بنت صغيرة تعتني بالنباتات في المنزل وتسقيها بانتظام.

  • أطفال لديهم قدرة على التواصل مع الحيوانات و فهمهم.

شارك المقال

About the Author: سارة النحاس

أنا الدكتورة سارة النحاس، دكتورة في التربية، مديرة ومؤسِّسة روضة Toddily في دمشق، وأم تعيش معكم تفاصيل التربية يومًا بيوم.